كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)



{وكان ذلك على الله يسيراً} فما يمنع منه مانع، ولا يحول دونه حائل، ولا يتخلف، متى وجدت أسبابه عن الوقوع!
وفي مقابل اجتناب الكبائر- ومنها أكل الأموال بينهم بالباطل- يعدهم الله برحمته، وغفرانه، وتجاوزه، عما عدا الكبائر؛ مراعاة لضعفهم الذي يعلمه- سبحانه- وتيسيراً عليهم، وتطميناً لقلوبهم؛ وعوناً لهم على التحاجز عن النار؛ باجتناب الفواحش الكبار:
{إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً}.
ألا ما أسمح هذا الدين! وما أيسر منهجه! على كل ما فيه من هتاف بالرفعة والسمو والطهر والنظافة، والطاعة. وعلى كل ما فيه من التكاليف والحدود، والأوامر والنواهي، التي يراد بها إنشاء نفوس زكية طاهرة؛ وإنشاء مجتمع نظيف سليم.
إن هذا الهتاف؛ وهذه التكاليف؛ لا تغفل- في الوقت ذاته- ضعف الإنسان وقصوره؛ ولا تتجاوز به حدود طاقته وتكوينه؛ ولا تتجاهل فطرته وحدودها ودوافعها؛ ولا تجهل كذلك دروب نفسه ومنحنياتها الكثيرة.
ومن ثم هذا التوازن بين التكليف والطاقة. وبين الأشواق والضرورات. وبين الدوافع والكوابح. وبين الأوامر والزواجر. وبين الترغيب والترهيب. وبين التهديد الرعيب بالعذاب عند المعصية والإطماع العميق في العفو والمغفرة..
إنه حسبُ هذا الدين من النفس البشرية أن يتم اتجاهها لله؛ وأن تخلص حقاً في هذا الاتجاه، وأن تبذل غاية الجهد في طاعته ورضاه.. فأما بعد ذلك.. فهناك رحمة الله.. هناك رحمة الله ترحم الضعف، وتعطف على القصور؛ وتقبل التوبة، وتصفح عن التقصير؛ وتكفر الذنب وتفتح الباب للعائدين، في إيناس وفي تكريم..
وآية بذل الطاقة اجتناب كبائر ما نهى الله عنه. أما مقارفة هذه الكبائر- وهي واضحة ضخمة بارزة؛ لا ترتكبها النفس وهي جاهلة لها أو غير واعية! فهي دليل على أن هذه النفس لم تبذل المحاولة المطلوبة؛ ولم تستنفد الطاقة في المقاومة.. وحتى هذه فالتوبة منها في كل وقت مع الإخلاص مقبولة برحمة الله التي كتبها على نفسه.. وقد قال فيها: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}. وعدهم من {المتقين}.
إنما الذي نحن بصدده هنا هو تكفير السيئات والذنوب مباشرة من الله، متى اجتنبت الكبائر؛ وهذا هو وعد الله هنا وبشراه للمؤمنين.
أما ما هي الكبائر.. فقد وردت أحاديث تعدد أنواعاً منها- ولا تستقصيها- وذلك بدليل احتواء كل حديث على مجموعة تزيد أو تنقص؛ مما يدل على أن هذه الأحاديث كانت تعالج حالات واقعة؛ فتذكر من الكبائر- في كل حديث- ما يناسب الملابسة الحاضرة، والمسلم لا يعسر عليه أن يعلم الكبائر من الذنوب.
وإن كانت تختلف عدداً ونوعاً بين بيئة وبيئة، وبين جيل وجيل!
ونذكر هنا قصة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو المتحرج المتشدد الشديد الحساسية بالمعصية. تبين- مع ذلك كله- كيف قوّم الإسلام حسه المرهف، وكيف جعل الميزان الحساس يعتدل في يده ويستقيم؛ وهو يعالج أمور المجتمع وأمور النفوس:
قال ابن جرير حدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن علية، عن ابن عون؛ عن الحسن أن ناساً سألوا عبدالله بن عمرو بمصر، فقالوا نرى أشياء من كتاب الله- عز وجل- أمر أن يعمل بها، لا يعمل بها؛ فأردنا أن نلقى أمير المؤمنين في ذلك. فقدم وقدموا معه. فلقي عمر- رضي الله- عنه فقال: متى قدمت؟ فقال: منذ كذا وكذا. قال: أبإذن قدمت؟ قال: فلا أدري كيف رد عليه. فقال: أمير المؤمنين إن ناساً لقوني بمصر، فقالوا: إنا نرى أشياء في كتاب الله، أمر أن يعمل بها، فلا يعمل بها فأحبوا أن يلقوك في ذلك. قال: فاجمعهم لي. قال فجمعتهم له. قال أبو عون: أظنه قال: في بهو.. فأخذ أدناهم رجلاً؛ فقال: أنشدك الله، وبحق الإسلام عليك، أقرأت القرآن كله! قال: نعم. قال: فهل أحصيته في نفسك؟ فقال: اللهم لا- ولو قال: نعم، لخصمه! قال: فهل أحصيته في بصرك؟ فهل أحصيته في لفظك؟ هل أحصيته في أثرك.. ثم تتبعهم حتى أتى على آخرهم فقال: ثكلت عمر أمه! أتكلفونه أن يقيم الناس على كتاب الله؟ قد علم ربنا أن ستكون لنا سيئات. قال: وتلا: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم}... الآية. ثم قال: هل علم أهل المدينة؟ أو قال: هل علم أحد بما قدمتم؟ قالوا: لا. قال لو علموا لوعظت بكم!
فهكذا كان عمر- المتحرج الشديد الحساسية- يسوس القلوب والمجتمع؛ وقد قوم القرآن حسه؛ وأعطاه الميزان الدقيق.. قد علم ربنا أن ستكون لنا سيئات! ولن نكون غير ما علم ربه أن نكون! إنما المعول عليه هو القصد والتصويب والمحاولة والرغبة في الوفاء بالالتزامات، وبذل الجهد في هذا الوفاء.. إنه التوازن والجد واليسر والاعتدال.
وفي سياق الحديث عن الأموال، وتداولها في الجماعة، تجيء تكملة فيما بين الرجال والنساء من ارتباطات ومعاملات. وفيما كان من عقود الولاء وعلاقاتها بنظام التوريث العام. الذي سبق تفصيله في أوائل السورة:
{ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله.إن الله كان بكل شيء عليما ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيداً..}
والنص عام في النهي عن تمني ما فضل الله بعض المؤمنين على بعض.. من أي أنواع التفضيل، في الوظيفة والمكانة، وفي الاستعدادات والمواهب، وفي المال والمتاع.. وفي كل ما تتفاوت فيه الأنصبة في هذه الحياة.. والتوجه بالطلب إلى الله، وسؤاله من فضله مباشرة؛ بدلاً من إضاعة النفس حسرات في التطلع إلى التفاوت؛ وبدلاً من المشاعر المصاحبة لهذا التطلع من حسد وحقد؛ ومن حنق كذلك ونقمة، أو من شعور بالضياع والحرمان، والتهاوي والتهافت أمام هذا الشعور.. وما قد ينشأ عن هذا كله من سوء ظن بالله؛ وسوء ظن بعدالة التوزيع.. حيث تكون القاصمة، التي تذهب بطمأنينة النفس، وتورث القلق والنكد؛ وتستهلك الطاقة في وجدانات خبيثة، وفي اتجاهات كذلك خبيثة. بينما التوجه مباشرة إلى فضل الله، هو ابتداء التوجه إلى مصدر الإنعام والعطاء، الذي لا ينقص ما عنده بما أعطى، ولا يضيق بالسائلين المتزاحمين على الأبواب! وهو بعد ذلك موئل الطمأنينة والرجاء؛ ومبعث الإيجابية في تلمس الأسباب، بدل بذل الجهد في التحرق والغيظ أو التهاوي والانحلال!
النص عام في هذا التوجيه العام. ولكن موضعه هنا من السياق، وبعض الروايات عن سبب النزول، قد تخصص من هذا المعنى الشامل تفاوتاً معيناً، وتفضيلاً معيناً، هو الذي نزل هذا النص يعالجه.. هو التفاضل في أنصبة الرجال وأنصبة النساء.. كما هو واضح من سياق الآية في عمومها بعد ذلك.. وهذا الجانب- على أهميته الكبرى في تنظيم العلاقة بين شطري النفس البشرية وإقامتها على الرضا وعلى التكامل؛ وإشاعة هذا الرضا- من ثم- في البيوت وفي المجتمع المسلم كله؛ إلى جانب إيضاح الوظائف المنوعة فيه بين الجنسين والمهام.. هذا الجانب على أهميته هذه لا ينفي عموم النص مع خصوص السبب.. ولهذا روت التفاسير المأثورة، هذا المعنى وذاك:
قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان؛ عن أبى نجيح، عن مجاهد، قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله، تغزو الرجال ولا نغزو، ولنا نصف الميراث.. فأنزل الله: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض}.
ورواه ابن أبي حاتم، وابن جرير، وابن مردويه، والحاكم في مستدركه. من حديث الثوري، عن أبي نجيح، عن مجاهد. قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله لا نقاتل فنستشهد، ولا نقطع الميراث.. فنزلت الآية.. ثم أنزل الله: {أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى}.. الآية.
وقال السدي في الآية: إن رجالاً قالوا: إنا نريد أن يكون لنا من الأجر الضعف على أجر النساء، كما لنا في السهام سهمان! وقالت النساء: إنا نريد أن يكون لنا أجر مثل أجر الشهداء، فإننا لا نستطيع أن نقاتل، ولو كتب علينا القتال لقاتلنا! فأبى الله ذلك، ولكن قال لهم: سلوني من فضلي.
قال ليس بعرض الدنيا.. وروي مثل ذلك عن قتادة.. كذلك وردت روايات أخرى بإطلاق معنى الآية:
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية، قال: ولا يتمنى الرجل فيقول: ليت لي مال فلان وأهله. فنهى الله عن ذلك. ولكن يسأل من فضله.. وقال الحسن ومحمد بن سيرين وعطاء والضحاك نحو هذا..
ونجد في الأقوال الأولى ظلالاً من رواسب الجاهلية في تصور ما بين الرجال والنساء من روابط؛ كما نجد روائح للتنافس بين الرجال والنساء، لعلها قد أثارتها تلك الحريات والحقوق الجديدة التي علمها الإسلام للمرأة تمشياً مع نظريته الكلية في تكريم الإنسان بجنسيه، وفي إنصاف كل جنس فيه وكل طبقة وكل أحد.. إنصافه حتى من نفسه التي بين جنبيه..
ولكن الإسلام إنما كان يستهدف من هذا كله تحقيق منهجه المتكامل بكل حذافيره. لا لحساب الرجال، ولا لحساب النساء! ولكن لحساب الإنسان ولحساب المجتمع المسلم ولحساب الخلق والصلاح والخير في إطلاقه وعمومه. وحساب العدل المطلق المتكامل الجوانب والأسباب.
إن المنهج الإسلامي يتبع الفطرة في تقسيم الوظائف؛ وتقسيم الأنصبة بين الرجال والنساء. والفطرة ابتداء جعلت الرجل رجلاً والمرأة امرأة؛ وأودعت كلاً منهما خصائصه المميزة؛ لتنوط بكل منهما وظائف معينة.. لا لحسابه الخاص. ولا لحساب جنس منهما بذاته. ولكن لحساب هذه الحياة الإنسانية التي تقوم، وتنتظم، وتستوفي خصائصها، وتحقق غايتها- من الخلافة في الأرض وعبادة الله بهذه الخلافة- عن طريق هذا التنوع بين الجنسين؛ والتنوع في الخصائص والتنوع في الوظائف.. وعن طريق تنوع الخصائص؛ وتنوع الوظائف، ينشأ تنوع التكاليف، وتنوع الأنصبة، وتنوع المراكز.. لحساب تلك الشركة الكبرى والمؤسسة العظمى.. المسماة بالحياة..
وحين يدرس المنهج الإسلامي كله ابتداء، ثم يدرس الجانب الخاص منه بالارتباطات بين شطري النفس الواحدة، لا يبقى مجال لمثل ذلك الجدل القديم الذي ترويه هذه الروايات، ولا كذلك للجدل الحديث، الذي يملأ حياة الفارغين والفارغات في هذه الأيام. ويطغى أحياناً على الجادين والجادات بحكم الضجيج العام!
إنه عبث تصوير الموقف كما لو كان معركة حادة بين الجنسين، تسجل فيه المواقف والانتصارات.. ولا يرتفع على هذا العبث محاولة بعض الكتاب الجادين تنقص المرأة وثلبها، وإلصاق كل شائنة بها.. سواء كان ذلك باسم الإسلام أو باسم البحث والتحليل.. فالمسألة ليست معركة على الإطلاق! إنما هي تنويع وتوزيع. وتكامل. وعدل بعد ذلك كامل في منهج الله.
يجوز أن تكون هناك معركة في المجتمعات الجاهلية؛ التي تنشى ء أنظمتها من تلقاء نفسها؛ وفق هواها ومصالحها الظاهرة القريبة. أو مصالح طبقات غالبة فيها، أوبيوت، أو أفراد.
ومن ثم تنتقص من حقوق المرأة لأسباب من الجهالة بالإنسان كله، وبوظيفة الجنسين في الحياة، أو لأسباب من المصالح الاقتصادية في حرمان المرأة العاملة من مثل أجر الرجل العامل في نفس مهنتها. أو في توزيع الميراث، أو حقوق التصرف في المال- كما هو الحال في المجتمعات الجاهلية الحديثة!
فأما في المنهج الإسلامي فلا.. لا ظل للمعركة. ولا معنى للتنافس على أعراض الدنيا. ولا طعم للحملة على المرأة أو الحملة على الرجل؛ ومحاولة النيل من أحدهما، وثلبه، وتتبع نقائصه!.. ولا مكان كذلك للظن بأن هذا التنوع في التكوين والخصائص، لا مقابل له من التنوع في التكليف والوظائف، ولا آثار له في التنوع في الاختصاصات والمراكز.. فكل ذلك عبث من ناحية وسوء فهم للمنهج الإسلامي ولحقيقة وظيفة الجنسين من ناحية!
وننظر في أمر الجهاد والاستشهاد ونصيب المرأة منه ومن ثوابه.. وهو ما كان يشغل بال الصالحات من النساء في الجيل الصالح، الذي يتجه بكليته إلى الآخرة؛ وهو يقوم بشئون هذه الدنيا.. وفي أمر الإرث ونصيب الذكر والأنثى منه. وقد كان يشغل بعض الرجال والنساء قديماً.. وما يزال هو وأمثاله يشغل رجالاً ونساء في هذه الأيام..
إن الله لم يكتب على المرأة الجهاد ولم يحرمه عليها؛ ولم يمنعها منه- حين تكون هناك حاجة إليها، لا يسدها الرجال- وقد شهدت المغازي الإسلامية آحاداً من النساء- مقاتلات لا مواسيات ولا حاملات أزواد- وكان ذلك على قلة وندرة بحسب الحاجة والضرورة؛ ولم يكن هو القاعدة.. وعلى أية حال، فإن الله لم يكتب على المرأة الجهاد كما كتبه على الرجال.
إن الجهاد لم يكتب على المرأة، لأنها تلد الرجال الذين يجاهدون. وهي مهيأة لميلاد الرجال بكل تكوينها، العضوي والنفسي؛ ومهيأة لإعدادهم للجهاد وللحياة سواء. وهي- في هذا الحقل- أقدر وأنفع.. هي أقدر لأن كل خلية في تكوينها معدة من الناحية العضوية والناحية النفسية لهذا العمل؛ وليست المسألة في هذا مسألة التكوين العضوي الظاهر؛ بل هي- وعلى وجه التحديد- كل خلية منذ تلقيح البويضة، وتقرير أن تكون أنثى أو ذكراً من لدن الخالق- سبحانه- ثم يلي ذلك تلك الظواهر العضوية، والظواهر النفسية الكبرى.. وهي أنفع- بالنظر الواسع إلى مصلحة الأمة على المدى الطويل- فالحرب حين تحصد الرجال وتستبقي الإناث؛ تدع للأمة مراكز إنتاج للذرية تعوض الفراغ. والأمر ليس كذلك حين تحصد النساء والرجال- أو حتى حين تحصد النساء وتستبقي الرجال! فرجل واحد- في النظام الإسلامي- وعند الحاجة إلى استخدام كل رخصه وإمكانياته- يمكن أن يجعل نساء أربعاً ينتجن، ويملأن الفراغ الذي تتركه المقتلة بعد فترة من الزمان.
ولكن ألف رجل لا يملكون أن يجعلوا امرأة تنتج أكثر مما تنتج من رجل واحد، لتعويض ما وقع في المجتمع من اختلال. وليس ذلك إلا باباً واحداً من أبواب الحكمة الإلهية في إعفاء المرأة من فريضة الجهاد... ووراءه أبواب شتى في أخلاق المجتمع وطبيعة تكوينه، واستبقاء الخصائص الأساسية لكلا الجنسين، لا يتسع لها المجال هنا، لأنها تحتاج إلى بحث خاص.. وأما الأجر والثواب، فقد طمأن الله الرجال والنساء عليه، فحسب كل إنسان أن يحسن فيما وكل إليه ليبلغ مرتبة الإحسان عند الله على الإطلاق..
والأمر في الميراث كذالك.. ففي الوهلة الأولى يبدو أن هناك إيثاراً للرجل في قاعدة: {فللذكر مثل حظ الأنثيين}.. ولكن هذه النظرة السطحية لا تفتأ أن تتكشف عن وحدة متكاملة في أوضاع الرجل والمرأة وتكاليفهما.. فالغنم بالغرم، قاعدة ثابتة متكاملة في المنهج الإسلامي.. فالرجل يؤدي للمرأة صداقها ابتداء ولا تؤدي هي له صداقاً. والرجل ينفق عليها وعلى أولادها منه. وهي معفاة من هذا التكليف، ولو كان لها مال خاص- وأقل ما يصيب الرجل من هذا التكليف أن يحبس فيه إذا ماطل!!- والرجل عليه في الديات والأرش (التعويض عن الجراحات) متكافلاً مع الأسرة، والمرأة منها معفاة. والرجل عليه في النفقة على المعسرين والعاجزين والعواجز عن الكسب في الأسرة- الأقرب فالأقرب- والمرأة معفاة من فريضة التكافل العائلي العام.. حتى أجر رضاع طفلها من الرجل وحضانته عند افتراقهما في المعيشة، أو عند الطلاق، يتحملها الرجل، ويؤديها لها كنفقتها هي سواء بسواء.. فهو نظام متكامل توزيع التبعات فيه هو الذي يحدد توزيع الميراث. ونصيب الرجل من التبعات أثقل من نصيبه في الميراث. ومنظور في هذا إلى طبيعته وقدرته على الكسب؛ وإلى توفير الراحة والطمأنينة الكاملة للمرأة، لتقوم على حراسة الرصيد البشري الثمين؛ الذي لا يقوّم بمال، ولا يعد له إنتاج أية سلعة أو أية خدمة أخرى للصالح العام!